ذكريات معلم - الجزء الأول -
ولجت التعليم بالباكالوريا, لم أكن ساعتها أعي ماذا أريد من الحياة, رأيت جمهور التلاميذ يتزاحمون لوضع ملفاتهم في مراكز التكوين, ففعلت, فنجحت فوجدتني معلما.
هل صرت معلما عن حب ؟ لا قطعا, لكني الان أعشق هاته المهنة.
================
مازلت أذكر كل التفاصيل ..
و أنا في ربيع العمر, في ريعان الشباب, بالكاد أكملت عشرين عاما, أبواب الحياة مشرعة أمامي لأنهل من التجارب و الاسفار و الجامعة لعلي أملأ رأسي الفارغة .. أغلقت في وجهي جميع الابواب, وحده باب قاتم وجدتني أمامه, يتراءى لي عبره السواد و العتمة, لم يكن لي خيار الا أن ألجه .. دخلت فكان المنفى في زاكورة, م,م ######, فرعية #####, حيث سيبدأ فصل جديد من فصول حياتي ..
هل صرت معلما عن حب ؟ لا قطعا, لكني الان أعشق هاته المهنة.
================
مازلت أذكر كل التفاصيل ..
و أنا في ربيع العمر, في ريعان الشباب, بالكاد أكملت عشرين عاما, أبواب الحياة مشرعة أمامي لأنهل من التجارب و الاسفار و الجامعة لعلي أملأ رأسي الفارغة .. أغلقت في وجهي جميع الابواب, وحده باب قاتم وجدتني أمامه, يتراءى لي عبره السواد و العتمة, لم يكن لي خيار الا أن ألجه .. دخلت فكان المنفى في زاكورة, م,م ######, فرعية #####, حيث سيبدأ فصل جديد من فصول حياتي ..
================
انتصف شهر أكتوبر, و اشتعل حماسي بعد أن راجت أخبار التعيينات .. اتصلت باحدى مصالح النيابة فأخبروني بالمجموعة المدرسية التي تاه حظي و ارتمى في أحضانها .. بعد الخبر كان لا بد أن أتصل بصديقي الذي يعمل في اقليم زاكورة و لا شك سيسقي فضولي حول تعييني ..
- ألو خويا راه عطاوني م,م xxxxxxxxx
- واااااااااااااااااكحلتيها !!!!!!
في تلك اللحظة هيمن السواد على أفكاري, و غابت الألوان عن عالمي .. عرفت أن ما ينتظرني أسود قاتم ..شددت الرحال.. تلك الطريق الجهوية, القاحلة, الفارغة من السيارات التي نادرا ما تصادف احداها, تنبؤني أنني في الطريق الى "قندهار" مغربية بامتياز ..
وصلت .. هناك أخبروني أن زميلي المعلم الجديد الذي عين معي في السنة عينها, قد التحق قبلي و أن هذا الأمر يخول له الأفضلية في التعيين .. ندبت حظي العاثر من جديد, لم يخبرني أحد أننا في التعيينات الجديدة نخوض سباقا أو بالاحرى مراطونا على المناصب, من وصل أولا يظفر عوضا عن الميدالية بالفرعية الأفضل .. أي قانون هذا ؟؟!! و أي عرف يستبيح مصائر رجال و نساء التربية و التعليم, و يفرق تعييناتهم حسب ترتيبهم في الوصول و لو كان الفرق لساعات فقط .. من حارس المؤسسة عرفت أني نفيت وحيدا في مدرسة أنا كل شيء فيها و لا شيء فيها, لا ماء, لا كهرباء, لا تغطية هاتف, لا طريق, لا مواصلات, لا زميل .. خلاصة الأمر لا شيء .. عدت أدراجي منكسرا الى مسقط رأسي لأني لم أصادف السوق الأسبوعي, اليوم الوحيد الذي يتسنى لي فيه الذهاب لتلك البلدة ..
================
عدت وحيدا للالتحاق بالمنفى, لست ممن دلعوهم أسرهم و قدموا معهم لفرعيات تعييناتهم, لست "كيليميني" ولو كنت كذلك لعدت أدراجي من أول يوم لي هناك, كان يوم أحد, حيث السوق يغلي بسكان الدواوير كما تغلي الأسعار في أسواق زاكورة, اقتنيت بعضا مما قد يحتاجه "زوفري" مع اقتصاد في الدراهم المعدودة, عرفني مدير المدرسة الى"عمي زايد" أحد المنتسبين للدوارالمنشود, انتظرنا "الترنزيت" حتى تفرغ من تكديس ما تيسر من خضر واواني وطحين و خرفان و حتى انسان .. كل شيء ينعم بالمساواة على متن الحافلة, البشر والحيوان يقتسمون المكان الضيق أصلا داخلها, وفوقها أيضا .. أخذت لي مكانا وسط هذا الزخم, وبدأت الرحلة الى كابل ..
================
هناك في الفرعية تعملت الكثير .. تعلمت كيف أعيش وحيدا بين جبال شامخة, تعلمت كيف أحادث نفسي و أجعلها تتقمص أدوارا عديدة في مسلسل أنا الممثل الوحيد البائس فيه, تعلمت كيف أقتصد في كل شيء, في الماء الذي أحضر عشر لترات منه بشق الأنفس, في المؤونة التي يستحيل الحصول عليها في بحر الأسبوع, في كل شيء ... تعملت كيف أعيش بلا تلفاز و مسلسلات و أخبار, تعلمت كيف أكون من دون هاتف و لا أنترنت و لا ضجيج .. تعلمت كيف أنير عتمة ليلي بالشمع, كيف أصنع من طاولات مدرسة فاشلة سريرا, و طاولة للأكل و مكتبا و مكتبة و أشياء أخرى .. تعلمت عد الثواني و الدقائق و الساعات و الأيام و الشهور, تعلمت تواريخ الأعياد و الأيام الوطنية ..
كانت كلها دروس حفظتها على ظهر القلب, لأن القلب من تلقاها .. تعلمت الكثير هناك في الفرعية الا القدرة على تحمل تلك الظروف لأنه درس فاق قدراتي
يتبع
لقراءة الجزء الثاني اضغط على الرابط : ذكريات معلم - الجزء الثاني -