أخر الاخبار

يوميات معلم مغترب, اليومية الأولى : من الطرنزيت للطيارة.




يوميات معلم مغترب

 اليومية الأولى : من الطرنزيت للطيارة.


لم يخطر على بالي يوما أن أهاجر خارج الوطن, كانت مباراة تدريس أبناء الجالية تمر  أمامي مرور الكرام, لم أدع الفكرة تراودني حتى, كنت أرفضها بالبت المطلق إلى أن تسللت عبر صديق هاتفني مشجعا : " و يالله غير ندوزو, من بعد و نفكرو " حشرنا ملفات ترشيحنا في اللحظة الأخيرة, اجتزت المباراة أنا و تخلف صديقي ..
عند إعلان النتائج, لم أصدق فعلا أن الفكرة التي طالما رفضتها صارت حقيقة, تدافعت الأسئلة و المخاوف داخل جمجمتي, خاصة و أني بنيت عشا صغيرا من زوجة و بنتان, أصغرهما لم تر  النور بعد, و بعد مشاورات كثيرة, قررت خوض غمار التجربة "ولي ليها ليها "

طالبونا بملف غليظ من الأوراق و الوثائق الخاصة التي يجب إرسالها قبل أجل قريب جدا, و أبسط الوثائق "جواز السفر" الذي كانت حيازته من شروط التقدم للمباراة لم يكن بحوزتي  !!!   كان الأمر مهمة مستحيلة بالنسبة لي, فمقر عملي في واد و مقر سكناي في واد, و العنوان المثبت على بطاقتي الوطنية في واد غيرهما, وقد صادف ذلك رمضان المبارك والعمل في الأقسام لايزال مستمرا و يا لها من " حريرة " احتسيتها و "حريرة" إفطار رمضان دفعة واحدة.

تركت أسرتي الصغيرة خلفي ريثما أهيئ أموري هناك, اشتريت حقيبة مستعملة ذات عجلات عند "مول الخارج " و انطلقت لأعانق المكان الذي تأتي منه "خردة المغرب" و أعيد حقيبتي " لوكازيون" إلى موطنها الأصلي.

الحقيقة أني لم أركب الطائرة قط و الحقيقة أيضا أني معلم اعتاد منذ الصغر "الطرنزيتات" و "الكيران " و " الخطافة" و في قليل من الأحيان " القطارات" ,اعتدت على روائح "المازوط" التي ترديني " شرويطة" وروائح السردين الذي " يقتل " به المسافرون  جوعهم, و أصوات المشروبات الغازية " تششششش" التي تمر على أفواه كل أفراد العائلة المسافرة لتستقر و بها " جغمة " لا أكثر عند أصغرهم يقضي بها ما تبقى من الرحلة, اعتدت نقاشات ماراطونية في الحافلات موضوعها " بلاصتي هاذي, ماشي بلاصتك " ومحاضرات لبائعين متجولين يعرضون فيها ببلاغة الدكاترة منتوجات توزاي "صيدلية" في قيمتها الطبية, تشفي كل الأمراض لكنها لا تشفي بائعها من ذل التجوال في المحطات بحثا عن قوت يومه  ..
ارتفعت الطائرة و بينما هي مرفوعة كنت أنا الأخر "مرفوعا" شعوريا, لم يكن هناك شيء مما ألفته في وسائل النقل البرية, كانت هناك نشوة لذيذة لا يعكر صفوها إلا لحظة هبوط أو صعود لتغيير في ارتفاع الطائرة في الجو, في تلك اللحظة السريعة يفاجئني شعور في الجزء السفلي من جسدي, لكنه لا يخدش استمتاعي بالرحلة.
كنا عشرة أساتذة على متن نفس الطائرة, جمعتنا الأقدار ثم فرقتنا بسرعة بعد ساعة و نصف من التحليق  فقد رتب كل منا مكانا يأوي إليه بعد وصوله خاصة أننا كنا سنصل في سواد المساء, كل تدبر أمره حسب علاقاته, فمنهم من ستستقبله العائلة و منهم من سيستقبله أستاذ من معارفه, ومنهم من حجز عبر موقع متخصص, أما أنا فقد رتبت مع صديق لصديقي الذي لا أعرفه و لا يعرفني, مجرد مكالمة واتساب وعدني بأنه سيستقبلني, و قد أوفى.

ركبت الطرامواي رفقة عبد الحميد الذي ينحدر من نفس الجهة التي أتيت منها, كان يتصرف بثقة القائد, أحاول مجاراته في المسير وأثبت له أني " عارف أش ك ندير " أتبعه كجندي يرى ساحة المعركة لأول مرة, و كأن ما أراه أضغاث أحلام, " أحقا أنا في فرنسا " لم أجد حينها من يسدي إلي خدمة ويقرصني لأستفيق و أوقن أنني حقا كنت هناك و أن ما أراه حقيقة.
وصلنا محل إقامته, وقبل أن ندخل الغرفة لاحظ عبد الحميد أني أحاول البحث عن قاطع التيار لأطفئ أضواء السلالم فخاطبني مبتسما : لا عليك " ستنطفئ لوحدها. أجبته ساخرا : ما تديش علي راني جاي من المغرب ..
استأسد التعب على جسمي النحيل, فما كان مني إلا أن ألقيته على المكان الذي اختاره لي صديق صديقي, لم و لن أنسى جميله هذا ما حييت, صحيح أن عبد الحميد لم يكن يملك الأوراق حينها, لكنه يملك ما يفوقها قيمة, قيمة التعاون و التآزر التي افتقدها مع الأسف جل المهاجرين العرب في ديار المهجر.

فشكرا عبد الحميد.





تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-