أخر الاخبار

ذكريات معلم -الجزء الثالث-


ذكريات معلم -الجزء 3-


مذكرات معلم الجزء الثالث




في الصباح, فتحت عيناي على الحقيقة, حيثما وليت وجهي فثم الجبال, جبال و جبال و جبال على مد البصر, صغير جدا أنا بين متتالية من العمالقة كنملة ضالة وجدت نفسها وسط قطيع من الفيلة ..
مذكرات معلم في الفيافي




أخذت مفاتيح المؤسسة و هممت لأستكشف عشي... من دار عمي زايد كان لزاما صعود الجبل , ما إن وصلت القمة حتى لمحت اليتيم شامخا من الصلب مميز بطريقة بنائه التي لا يختلف فيها بناءان, و صباغته الفاتحة التي لا يختلف عليها صباغان, و الديكور الصغير على سطحه ذي الثلاث درجات على حافة كل زاوية من زواياه الأربع, كان قسمي هذا يتيما يؤنس وحدته قسم من الطين بناه القرويون بمواد محلية الصنع, يتيم تماما كما أنا في تعييني هذا, لا زميل و لا صديق يكفكف دمعي وقت الضيق, و ينصت لتنهيداتي في جحيم الأوقات, من يسمع لكلماتي ؟ و من أشاور في صعوبات التدريس التي قد تواجهني ؟ و من يذكرني بأوهام علوم التربية حين أصطدم بعلوم الفيافي ؟ و من ينعش ذاكرتي بديداكتيك المواد و أنا أحضر جذاذاتي لقسم "شلاظة" من المستويات و المواد ؟
من يسامرني الليل, و أحدثه عن أحلى سنتين في حياتي -قبيل المنفى- في مركز التكوين, و أخبره عن "سباتة و حمرية و سينما "كاميرا" و الزيتون و الهديم و عن كل صولاتنا و جولاتنا في مكناس البهية..
شاركني أطفال تأثيث المكان, نفضنا الغبار عن الأرضية و الطاولات الملقاة هنا و هناك, نفضت الغبار عن جدران القسم التي كانت تحكي قصص من سبقوني إلى المكان, عبارات خلدت معاناتهم وحفظتها من الضياع حتى يأتي المعلم الجديد و يحتضنها في صدره فيختزنها غما يمحق فؤاده.
لم يكن للمعلم مسكن في الدوار, أخبروني أن القسم الصلب اتخذه زملائي من المعلمين السابقين سكنا لهم, فيما تقدم الدروس في جاره الطيني, فكرت و فكرت مئة مرة و لا أدري هل ضربت بالمقص أو أصبت ! سرت على نهج أسلافي فجعلته بيتي. في الركن جعلت من أربع طاولات متقابلات سريرا وضعت فوقها زربية و وسادة من صنع أمي, جعلت من طاولتين مائدة للطعام, و طاولتين مكتبا للتحضير و الكتابة, و طاولتين دولابا لملابسي و بعض أغراضي, و طاولتين بالقرب من خزانة القسم مطبخا حيث صارت الخزانة التي تتسع لمئات الكتب و الوسائل التعليمية مخزنا لقنينة نصف لتر من الزيت و كيس الملح و درهمان " تحميرة ". صنعت بذلك من طاولات قسمي بيتا من غرفة نوم و غرفة للجلوس و غرفة للمطالعة و مطبخ إلا المرحاض الذي لم أجد له "تخريجة" بالطاولات, و عوضا عن مرحاض لا تتعدى مساحته بضعة أمتار كما في المدن فقد كان لي مرحاض مساحته تعدت مساحة مرحاض الوزير نفسه, لكن ما يعيب مرحاضي أنني لست الكائن الوحيد الذي يستعمله..
نظفنا القسم, بنيانه متقن, مرصوص بالطين و الحجارة, تنصفه ساريتان تحملان على كاهلهما ثقل السقف فصار القسم جزءين يستحيل معه وضع سبورة وسط الحجرة لينهل من محتواها الجميع. كانت فتحة النوافذ صغيرة تسمح بدخول القليل من الإضاءة و الكثير من البرد و الرياح, تطل السيدة "شمس" متأخرة كعادتها على القسم فصديقها السيد "جبل" لا يسمح لها بالخروج باكرا, و بسببه يخيم السيد "ظلام" على القسم فكان لزاما أن أقوم أنا السيد "معلم" بعملي صباحا مع التاسعة على مدار الأسبوع, ففي المساء أيضا يصر السيد ّظلام" على احتلال الفصل.
أنهينا العمل, غادرني الأطفال و غدوت وحيدا بين ثنايا جبال صاغرو الشاهقة .. سينتشر خبر مقدم "المعلم اوجديد" و غذا سيكون أولى أيام الدراسة ..

يتبع
لقراءة الجزء الرابع اضغذ على الرابط : ذكريات معلم - الجزء الرابع -

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-