أخر الاخبار

ذكريات معلم - الجزء الخامس -



ذكريات معلم - الجزءالخامس -

ذكريات معلم الجزء الخامس

قضيت ليلتي غارقا في بحر التفكير, لم أنم جيدا, لكن حتما ذلك لم يمنعني من الاستيقاظ باكرا فاليوم أول أيام الدراسة و هو بذلك أول يوم لي كمعلم .. توضأت على أعتاب المسكن-القسم, حضرت فطوري : شاي, زيت زيتون و كسرة خبز و بعض من حلويات " الفقاص" يذكرني بأمي, أتلذذ بشرب الشاي و الهدوء سيد الموقف, لكن نقيضه في دواخلي, عاصفة من الأسئلة تتهاوى مطرا غزيرا في دهني ..
كيف سأقف أمامهم ؟ هل أكلمهم جالسا أم واقفا ؟ هل أتحرك بين جنبات القسم أم أتسمر مكاني ؟ هل أتكلم بصوت مرتفع أو خافت أو ربما أصرخ ؟ ماذا إن بح صوتي و أنا أكلمهم, ماذا إن رفعت صوتي لأعلى درجاته و لم يسمعوني ؟؟؟ ماذا ان لم يعيروني اهتماما و اعتبروني سارية تدعم القسم الايل للسقوط ؟ .....
ارتديت وزرتي البيضاء, تجاعيدها و الخربشات التي قاومت مسحوق التنظيف منذ أيام المركز بمكناس تذكرني بأخر معقل لي كتلميذ أو طالب يجلس في طاولة بها خريطة دون مفتاح, خريطة من رموز و أشكال و خطوط تحكي قصصا في غاية التعقيد لمن امتطى صهوتها طالبا للعلم و ربما أشياء أخرى, أنا ألان أرتدي وزرتي هاته لكن كمعلم و ما أثقلها من كلمة, أ تراني جدير بها ؟
خرجت متجها إلى قسمي الطيني,كان هناك بضعة أطفال يتمتمون و يسترقون النظر للمعلم الجديد و أنا أحس بنشوة الفاتح, منتصب القامة أمشي, مرفوع الهامة أمشي في كفي مفتاح قفل صغير, و على كتفي لا لا لا رويدك ليس نعشي.. فتحته و انحنيت لأتمكن من الدخول, غادرتني النشوة كما غادرني انتصاب قامتي و استقبلني قسمي مقاوما ظلمة الصباح بنوافذه الصغيرة.
ثمانية عشر تلميذا موزعين على أٍربع مستويات, الأول و الثالث و الرابع و السادس, نصبت سبورة في جدار للمستوى الأول, و في الجدار المقابل سبورة أخرى للمستويات الثلاثة المتبقية, قسم بسبورتين و أربع مستويات و اتجاهين للجلوس متعاكسين كما هي الأشكال في درس التماثل المحوري.
أطفال رائعون, الحياء و الحشمة أخذت من أخلاقهم حيزا كبيرا, يحدثونك و أعينهم تعانق الأرض, معارفهم ضئيلة و بين الكفايات و الأهداف التي اكتسبوها و تلك المسطرة على الكتب المدرسية, ما بين السماء و الأرض, حتى تلاميذ المستوى السادس و المقبلون في نهاية السنة على امتحان نيل شهادة الدروس الابتدائية يقفون عاجزين أمام تكوين جملة مفيدة شفويا أو كتابيا فالأمر سيان .. لا ألومهم و لا ألوم من درسهم قبلي من زملائي, لا ألوم المدير و لا المفتش, لا ألوم أسرهم و لا دوارهم : هي منظومة فاشلة من الرأس حتى أخمص القدمين, هم ضحايا قدرهم أن وجدوا أنفسهم في بلد يبحث عن تضخيم أرقام تعميم التعليم و يتقن تقزيم جودته..
أنهيت يومي الأول كمـــعلم, خرجت من قسمي لا منتصب القامة و لا مرفوعة الهامة, أمشي و لسان حالي يقول " أش داني, لاش مشيت .... "

يتبع
لقراءة الجزء السادس اضغط على الرابط: ذكريات معلم - الجزء السادس -
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-