مذكرات أستاذ : رحلة لم تنته...(الحلقة الثانية)
بقلم الأستاذ : أبو أمير و زينب
تقدم نحونا رجل مسن، على محياه الحزم، بعد التحية رافقنا خلال الأمتار الأخيرة من المسار، لم يسألنا لا عن حالنا ولا من نكون، ربما يعلم مسبقا، وهو يتعقب خطواتنا من أعلى الجبل، فمن يسير متتبعا الطريق المرسوم بحوافر الدواب، ولا يتخد المختصرات سبيلا، يعتبر غريبا، ولا غريب هنا سوى نحن، ولا مستقر لنا إلا البناء المنفرد، سايرنا إيقاعه بما تركت لنا الرحلة من قوى،
كلما تقدمنا نحو المكان تتغير أحاسيسنا بين فعل وانفعال، فرح وحزن، اختلطت علينا الأمور حينها، لم نتبادل أطراف حديث ولم تزغ أبصارنا عن قائد رحلتنا الأخير، إلى أن بلغنا البنيان، ظهر شامخا من بعيد، لكن حينما اقتربنا وجدناه يحتظر. وقف الرجل وقفة الفاتح، تفقد قب جلبابه وأخرج مجموعة من المفاتيح باشكال وأحجام مختلفة، ثم أخد في البحث عن المناسب منها. تطلبت العملية ما تطلبه الفتح من زمن ومجهود، لنلقي النظرة الأولى على ما لم نجد له تصورا قبل الوصول، ساحة معركة أم ساحة سلام، مؤسف ما يفعله الصغار خلال العطلة الصيفية المطولة.تفقدنا المكان، وبعد استراحة قصيرة، قمنا وأشعة الشمس ليومه أدركتنا بالرحيل، وكذلك الرجل إلى حين، تمكنا من جعل المكان أقل فوضى مما كان، انجلى نور الشمس وحل الليل، خفتت الأصوات وعم السكون، تمكنا من كسر الظلام بنور شموع تحترق، وأخدنا نتبادل أطراف أحاديث، كانت أسئلة لا غير، تارة حول تدبير أمور المعيش اليومي وإمكانية التأقلم والاستمرار، وتارة أخرى حول تدبير الأعمال وإمكانية تحققها، بقيت الأسئلة عالقة، بلا أجوبة، إلى أن طرق الرجل الباب، عاد ومعه بعض مما قد نحتاجه، فهو يعلم أن أمتعتنا بقيت على الطرف الآخر من الجبل، فتجربته مع من سبقونا اغنته عن السؤال، لقد كان يعلم مسبقا الجواب، بعدما تبادلنا أطراف الحديث معه أمدنا بكل الأجوبة التي علقت أسئلتها في ذهننا قبل حين، وعلمنا من خلاله ما ينتظرنا من إكراهات، إكراهات لم تتطرق لها مناهج التكوين المطولة، ولا قنوات عبر اخبارها المفصلة، فهنا المسافة بين الأماكن تقاس بالزمن، والعمر يقاس بالحلم والصبر، والغنى بنعم الله، والقوة ببلوغ الأهداف لا باستعراض الخطط، علمنا أنه يتوجب علينا بلوغ قمة الجبل للحصول على إشارة الهاتف، وأن أقرب محل بقالة تلزمه مسيرة ساعتين وقد تزيد . نعم الرجل كان لم يبخل، وأمدنا بالجواب لكل سؤال حينها، كان سندا لنا خلال مقيمنا هناك، فهو الوحيد الذي تفقد حالنا ذات يوم والثلوج تغطي المكان كله، إذ اختفى في صباح أحد الأيام كل شيء، ولم نتمكن حينها من فهم ما يقع، فلا شيء يكسر بياض الثلوج، ولم تعد تظهر إلا هياكل الجبال الشامخة وهي تلبس ثوبا على المقاس، من القمة إلى السفح، لن تجد بالمقررات هذا الأمر في أي من صفحاتها، فالثلج دائما تصوره على القمم! غادرنا الرجل على أمل اللقاء، فقد كان المكلف بشؤون المدرسة جميعها. لم تقاوم أجسادنا كثيرا، لم يدم حديثنا طويلا واستسلم كل منا لسلطان النوم ..