أخر الاخبار

رحلة الى المجهول : مذكرات معلم في الجبال -زاكورة- الحلقة الأولى

 

رحلة الى المجهول : مذكريات معلم في الجبال -زاكورة- الحلقة الأولى

مذكرات معلم في الجبل


لازلت أتذكر صيف تلك السنة حين ،تلقيت خبر تعييني بمجموعة مدارس أميير،خبر نزل كالصاعقة ،هذه المجموعة التي لم أسمع بها ما حييت ،ولو لم أعين بهذه المجموعة لما عرفت أنها ضمن المجال الترابي لإقليم زاكورة،بحثت في كل خريطة المغرب فلم اجد لها أثر ،واستعنت بكوكل ماب ،وبكل الوسائل المتاحة ، فلم اجدها ، وبدأت رحلة البحث هنا وهناك الى أن توصلت الى أنها منطقة حدودية ، تقع في أقصى الجنوب الشرقي لإقليم زكورة ،يسكنها رحال أمازيغ وعلى أطرافها نقط عسكرية ونقط مراقبة حينها جالت بخاطري مجموعة من الأفكار و السيناريوهات،قبل الرحلة الى هذه الأرض المقصية،المنسية .جمعت معلومات من هنا وهناك عن طبيعة المنطقة و أناسها وكيفية التأقلم مع هذا الوضع الجديد ...مر صيف 2012 كالجحيم ،خبر تعييني في منطقة ،لم يترك لي راحة ولا مزاجا للسفر أو الإستمتاع ،لم أعرف كيف مرت عطلة ذلك العام ،مقر التعيين الجديد سيطر على عقلي وتفكيري ،الى أن وجدت نفسي في السوق الأسبوعي لزاكورة ابحث عن الحافلة التي ستأخذنا الى ديار أمييرد ،في بداية الموسم الدراسي لتلك السنة ،كان الميعاد ان نلتقي امام باب السوق حيث يوجد السيمو،سائق الحافلة،التي ستأخذنا الى أمييرد ، رجل أمازيغي ،يلوك العربية ،أببض اللون قصير القامة ،غليض الجثة،دو شعر أملس وشارب كبير يكاد يغطي فم الرجل ،وابتسامة لا تفارق محياه ،رجل ترتاح له النفس من أول لقاء ،يظهر عليه الطيبوبة والوقار.
قرب الحافلة يجتمع عدد كبير من أهل أمييرد ،يضعون أشياءهم قرب الحافلة استعدادا للرجوع الى منازلهم،بعد أن قضو مآربهم في السوق ،ليس لأهل اميير إلا حافلة "السيمو" لنقل اغراضهم من والى السوق ،انها مركبة الحياة،بالنسبة لهم ،مركبة النجاة .الحافلة عبارة عن كميون من نوع فورد ،الماني الصنع ،احمر اللون ،بمحرك يسمع صوته من السماء السابع ،لا شك أنه شارك في المسيرة الخضراء.جلست غير بعيد عن الحافلة أنتظر ... .المدير في هذه الأثناء يحاول أن يخلق جسرا للتعارف بيني وبين أهل أمييرد ،يحدثني عن طيبوبتهم وكرمهم وبساطتهم وحسن معاملتهم وينتهز الفرصة بين الحين والأخر ليعرفني على احدهم ،وبلكنة أمازيغية يقول "هان المعلم اجديد" المعلم بالنسبة لهم له مكانة مهمة ورمزية كبيرة .وبعد أن اجتمع الأساتذة كلهم توجهنا نحو الحافلة ،صعد الجمع كله في الحافلة بما في ذلك أغنامهم وأغراضهم من علف وتبن وأسمدة وبراميل وقود و مبيدات ثم صعدنا نحن الأساتذة فوق التبن والبضاعة وأكياس القمح،ازدحمت الحافلة بالركاب والبضاعة كأنه الموت ،وبعد أن تأكد "السيمو "سائق الحافلة من صعود الكل ،أحكم غلق الأبواب ،وصعد هو الأخر ،عدل جلوسه في مقعده ،وانطلق بنا في اتجاه الشرق ،ساعات والحافلة تسير بنا في اتجاه مجهول لا نعرف عنه أي شيء، كانت الشمس حارقة ،والجو مظطرب ،وسرنا نشق الطريق والغبار في كل اتجاه ،لا شيء يرى غير الصحراء القاحلة والجبال السوداء ،لاشيء يدل على وجود الحياة هناك ،كأننا نسير الى الجحيم ،الفراغ والقفار في كل اتجاه، أول مرة أحس بالغربة بين الناس ،غربة في الذات وغربة في المكان ،وانسداد في الأفق،تذكر رحلة احمد المرزوقي الى سجن تزممارت،تذكرت سنوات الدراسة في الجامعة ،تذكرت عذاب القبر و أشياء أخرى ، خوف وذعر وغموض كأننا نسير الى الجحيم .صمت مخيف يسود الحافلة ،لا احد يكسر جدار الصمت السائد غير نظرات بعضنا البعض نحن الأساتذة؛ياسين ،ميلود،نجيب ،مسلم ....بعد ساعات من رحلة كلها خوف وتوجس وريبة وصلت الحافة الى مدخل واد أميير ،إنه" افردو" ،مجموعة من المنازل الطينية المتفرقة ،يسكنها رحل أمازيغ ،هنا بدأت الحافلة تتوقف هنا وهنا ،لتضع أمتعة الناس،على قارعة الطريق أو قرب منازل من تعذر عليهم الذهاب الى السوق ؛هنا بضاعة أحدهم وهناك علف،اوتبن آخر ،هنا نصف كيلو من الطماطم ،وهناك قنينات الغاز من الحجم الكبير ،الى أن وصلنا الى مكان يدعى أم الخب ،على واجهة قسم مكتوبة بخط كبير ،حسبتها للوهلة الأولى أم الحب .توقفت الحافلة قرب المدرسة ،الساعة تشير الى السابعة مساء تقريبا ،جاء دورنا الأن ،نزلنا وأنزلنا أمتعتنا ،قنينة غاز صغيرة ،مقلى،بعض الأفرشة ،حصير ،مسند ،محفظة وأشياء أخرى..."أم الخب" أشبه مايكون بقرية صغيرة ،غير واضحة المعاليم ،منازل متفرقة ،هنا وهناك ،مسجد مهجور وبعض الحقول اليابسة،الخالية من النبات إلا من بعض أشجار النخيل المقاوم وبعض أشجار الطلح وأعشاب شوكية تتكلم لغة الجفاف.كأن لا أحد يسكن هذه الأرض ،فجأة ظهر رجل يلوح بيده ،من بعيد ،إنه المقدم الحاج داود .الرجل الذي استقبلنا في منزله هذا المساء ،وفتح لنا بيته وقلبه ،رجل بألف رجل، أنسانا تعب الرحلة ،وخفف علينا وقع الصدمة والخيبة .جعلنا نحس بالأنس والمساندة ،في ساعة ذهل فيها الجميع ...حدثنا عن نفسه وأسرته وعرفنا عن أولاده ونشاطه الفلاحي ،مدخوله ،مصاريفه،حاضره وتاريخه وتطلعاته،كل هذا والأبتسامة لا تفارق وجه الرجل .جعلنا نحس أننا بين أهلنا ،وأننا نخوض تجربة من تجاريب الحياة ،وأن المسار لن يتوقف هنا ،فقط هنا البداية ،وطبيعة البدايات ،أنها غير واضحة،و أنها عكس ما نتوقع .أحسسنا أن هذا الرجل رسول من عند الله ليكسر جدار معاناتناوحزننا وخيبتنا ويبعث فينا الروح لنستجمع قوانا ...في منزل الجاح داود ارتاح الجميع تقريبا ، وبدأنا نتموقع في الزمان والمكان ،لنبدأ رحلة أخرى محفوفة بالمتاعب والصعاب .
يتبع
بقلم : Abr Ait Larabi
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-