لكن السياسة بدأت تنحرف عن مسارها عندما ارتبطت بالقوة و المصلحة ، حيث طغا قانون القوة على قوة القانون ، و برزت مشاكل اقليمية و عالمية وصلت الى حد اعتبارها اشكاليات عميقة و متجذرة ، جعلت الديمقراطية أداة ظلم لا عدالة ، و أرض عبودية لا تحرير ، و كل هذا لمصلحة رجال المال.
هنا نبدأ من جديد و بمصطلح آخر هو المال ، هذا الأخير الذي يعتبر عملة الشعب و عصب الحياة ، فبه تحدد قيمة الدولة ، و مكانتها بين الدول ، و هو المسؤول عن تصنيف فئات الشعب ، و الراعي الرسمي لبكتيريا السياسة ، التي بلغت الاجرام في أغلب الأحيان.
ان الاجرام السياسي ليس بالبعيد عن الاجرام المدني ، فهذا الأخير يسلب روح الضحية ، و الأول يسلب روح الأمة ، و يفرغها من محتواها الانساني فيخلق نمط حياة همجي و يصنع بؤسا لا حدود له ، يظهر من خلال الأوضاع الاجتماعية المتردية كالفقر و الحرمان و الجوع ، و حتى الارهاق و التعب ، و يدخل الشعب في حالة من الفوضى و التوتر ، و ذلك كله من أجل أن يعيش السياسي في نعيم على حساب الجيم الذي يعيشه شعبه ، و هو يعتثد أنه حقق أحلامه ، لكنه في الحقيقة قد حقق كوابيس الأمة ، و جرف السيول على الحضارة فاختفت ، و عصف بالشراع فانكسرت ، و هو يعلم جيدا أنه خان الأمة لكن يبرر بقدر ما يستطيع ، فهل للتبرير فائدة بعد الموت ؟ ، و هل يالتبرير يرتاح الضمير ، ان وجد أصلا.
يطبق هذا الاجرام بعناية و بصورة نمطية تكرارية ، تكون على شكل حلقة دائرية ، يستفيد فيها الكل الا الشعب ، تبدأ من رجال المال ، و تمر برجال السياسة و تنتهي بالمدراء التنفيذيين ، فرجل المال يقومون بتمويل الحملات الانتخابية سواء بشكل سري في بعض الدول أو بشكل علني في دول أخرى ، ليصل أصحابه و أمثاله الى السلطة المتمثلة في رجال السياسة ، ليقوموا هم كذلك بتعيين مدراء جهويين و تنفيذيين في الدولة ، ليمكنوا رجال المال من الاستحواذ على الصفقات العمومية و القروض الضخمة ، ليعود المال من جديد الى رجاله ، و كما قلت سابقا الكل مستفيد الا الشعب .
و كانت هذه هي المنهجية التي اعتمدها السياسيون الغربيون في القرون الماضية ، و احتضنها السياسيون العرب لعدة عقود ، و كانت كافية لخلق شلل في عصب الدول ، و كبح الحضارة في عقر دارها ، و تجويع و تهويل و تفريق الشعوب ، من أجل جني المال و قتل الآمال.