أخر الاخبار

النسيان

 إذا كانت الابحاث لا تزال مستمرة للتعرف على طبيعة الذاكرة فإن بعض مظاهرها السلبية لا يزال أيضا موضع إشكال وخاصة تلك الأعراض المرضية ، ويبدو أن النسيان من حيث هو المظهر السلبي للوعي والتحصيل مشكلة أخرى وإن تفاوتت درجته بين الناس ، وهكذا نجد أنفسنا أمام سؤال آخر وهو ما النسيان ؟ ولم يحدث هذا النسيان ؟  



1- سرعة النسيان :


من الملاحظات الأولى التي يمكن الانتباه إليها هو أن النسيان يبدو أكثر سرعة في المراحل الإدراكية الأولى ، فإذا أردت مكالمة مؤسسة ما بواسطة الهاتف لا يهمك الاحتفاظ برقمها معك ، فإنك ترجع إلى الدليل ، وبمجرد أن تعثر على الرقم الهاتفي فإنك تستخدمه مباشرة لكنك لا تحتفظ بهذا الرقم في ذهنك بعد استعماله ، فإنك تنساه مباشرة بعد الاستعمال ، وهو ما يطلق عليه الذاكرة القصيرة المدى ، وقس على ذلك مشاهداتك الأولى لمدينة ما تزورها أول مرة ، فان كل مشاهداتك الأولى تنساها مباشرة لكن إذا تكرر استعمالك لرقم الهاتف نفسه فقد تحتفظ به في ذهنك كما أن تكرار التجول يجعلك تحتفظ بما يوجد في بعض شوارع المدينة التي زرتها ، ويعود ذلك إلى العوامل الذاتية والموضوعية التي تحدثنا عنها ، ويمكننا أن ننظر إلى النسيان على أنه الوجه السلبي لعملية الوعي أو التحصيل.

2- النسيان التدرجي :


يحدث نوع من التراجع في النسيان في مثل هذه الحالات ينتقل من المستوى العقلي إلى المستوى الانفعالي إلى المستوى الحركي ويتبع النسيان في حدوثه منهجاً يبتدئ بالكلمات لينتهي بالحركات الإيمائية ، وسؤالنا لم يتبع النسيان هنا هذه الطريقة وكأنه قواعد نحوية يعرفها فتزول أسماء الأعلام قبل الأجناس ، ثم تزول الأجناس قبل الصفات ، ثم تزول الصفات فالأفعال ، و تكون الإجابة واضحة إذا ما رجعنا لقانون الانحلال العام للذاكرة ، فيكون بذلك تذكر اسم العلم أكثر صعوبة من تذكر إسم الجنس والجنس أصعب من الصفة وهذه أصعب من الفعل.


3- نسيان الشيخوخة :


نسيان الشيخوخة  يتناول النسيان لدى الطاعنين في السن في بادئ الأمر الوقائع الحديثة بينما تبقى الذكريات القديمة حية وفعالة وقد فسر ذلك " ريبو " بشيخوخة الخلايا العصبية التي هي في طريق الضمور فتصير بذلك عاجزة عن الاحتفاظ بالانطباعات الحديثة ولا يمكن الخلط بين هذه الحالة وعارض " كورساكوف " المتعلق بفقد القدرة على التثبيت لأن النسيان يمتد إلى غاية سنين الطفولة.


لكن المشكلة هنا ، لم تزول الذكريات القريبة قبل البعيدة ولم ينتقل النسيان هنا من الأحدث إلى الحديث إلى الأبعد ، إن عرض " كورساكوف " لا يفسر هذه الحالة لأن الصدمات المفاجئة نفسها تصاحبها نفس الأعراض في النسيان فتزول الذكريات القريبة قبل البعيدة وقد علل جانبه ذلك حين رأى أن الجهد النفسي للقيام بعملية ذهنية يكون  كبيراً بقدر ما يندرج هذا الجهد في العمل وعلى هذا فالجهد اللازم لاسترجاع ماض من أنواع الماض المباشر أو القريب أو البعيد يتوقف على مدى اندماج هذا الماض في العمل الذي يستدعيه التكيف مع الواقع الحاضر.


وبما أن الشيخوخة هي ابتعاد عن ضرورات الحاضر التي تتطلب العمل ، ويتناسب هذا الابتعاد مع الماضي المباشر فالقريب فالبعيد تناسياً طردياً ، كأن النسيان يتناول الماضي أولاً فالقريب فالبعيد فالأبعد وهكذا تبعاً لدرجة الاهتمام بمواقف الحياة ولا تبقى معه سوى ذكريات الطفولة أو الذكريات الآلية التي وطدتها السنين الماضية أو تلك المرتبطة بشحنات عاطفية ملتهبة.





تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-