أخر الاخبار

التخيل

 


إذا كنت غائبا عن بيتك ، وسألك أحد أصدقائك عن الكتاب الذي اشتريته  وطلب منك وصفه ، فانه بوسعك أن تصفه بعقلك وتتحدث عنه في غيابه ، وذلك باسترجاع شكله العام ولونه وعنوانه ، فأنت تكون هنا أمام « تصور بصري » ، اي استحضار صورة بصرية تمت مشاهدتها من قبل وبنفس الطريقة ، نستطيع أن نستحضر في ذهنك صوراً سمعية كتصورك صوت أبيك وصوراً شمية كتصورك رائحة الورد وصوراً ذوقية كتصورك طعم البرتقال ...إلخ

إن كلا من الكتاب وصوت أبيك ورائحة الورد وعصير البرتقال أمور غائبة عن حواسك ، وعلى الرغم من غياب أعيانها ، فانك أستطعت أن تستحضر صورها ، وبذلك تكون قد قمت بعملية « التصور» التي يمكن أن نقول إنها « استعادة لادراك حسي سابق إستعادة ضعيفة »  أو عملية إستحضار الآثار بعد غياب المؤثرات ، أي مثول الصور الذهنية في الزمان الحاضر.

وما يميز التصور هو أن مدركاته بحكم طبيعتها تكون ضعيفة ، وهنا يكمن سر تفوق الانسان على الحيوان ، أي رغم ما لبعض الحيوانات من قدرة على تحقيق التكيف بينها وبين بعض المواقف الجديدة كما هو الشأن لدى القردة ، فالانسان يستطيع وحده أن يعيش ماضيه ومستقبله في آن واحد ، ويكون بذلك الكائن الوحيد الذي له القدرة على التحرر من قيود الحاضر التي لا يخرج منها الحيوان .

و نلاحظ إذن  أن عملية الانتقال من الاستجابة الحسية إلى صورة عملية تتضمن نوعاً من الذكاء والرقي العقلي كما تعتمد على الذاكرة . فأنت تستطيع أن تتكلم عن « الفيزياء » أو « الرياضيات » دون أن تعتمد على أي شكل من أشكال الصور الحسية وتوظف في هذه الحالة الرموز والعلاقات بدلا من الصور الحسية ، كما تستطيع أن تتصور نفسك بين زملائك أثناء أدائك واجب الخدمة الوطنية ، وبوسعك أن تتصور الفيلسوف «ابن رشد » . فحالتك هذه تواضع علماء النفس على تسميتها «تخيل ».



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-