لم ينتظر الناس انتقال التاريخ من الصبغة الأدبية إلى الصبغة العلمية ليقبلوا على استنباط الدروس والعبر من الماضي ، غير أنهم اختلفوا في الكيفية التي بها يمكن الاستفادة منه ، فمنهم من يرى « أن التاريخ ليس فرعا من التحصيل يدرس لذاته ، ولكنه نوع من المعرفة يفيد الناس في حياتهم اليومية »' ومنهم من يرى على العكس من ذلك ، أنه «لا ينبغي أن نبحث عن غاية التاريخ وفائدته خارج التاريخ نفسه » ، فهل يجب التماس الفائدة التي تقدمها الدراسات التاريخية داخل التاريخ ذاته أم خارجه ؟
يقدم التاريخ دروسا متنوعة في مجالات مختلفة ، الاجتماعية منها والسياسية والاقتصادية والثقافية ، و إن استرجاع الماضي ، بالنسبة للأقدمين على الخصوص ، يعد وسيلة من وسائل التكوين المدني والأخلاقي والديني ومرجعا حافلا بالتعليمات التقنية ، وخاصة تلك التي تتعلق بالسياسة والفن العسكري . فهم لم ينظروا إليه على أنه تسلية وترويح للخاطر بقدر ما أخذوه على أنه نافع ومفيد ، و يجب أن يكون الحاكم والسلطان والجندي والعامل والمتدين ملما بالتاريخ عارفا به ، فقد قال «ابن خلدون » : «اعلم أن فن التاريخ فن عزيز المذهب ، جم الفوائد ، شريف الغاية ؛ إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم » . وبالتاريخ نتعرف على الأنبياء في سيرهم ، والموك في دولهم وسياستهم حتى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا .
وفي الواقع ، إن الناس سبروا من التاريخ أمثلة رائعة في المناقب والفضائل الأخلاقية كالإخلاص والشجاعة والتضحية والإيمان واللاعنف . يعتبر « ابن شداد » عند العرب مثالا للشجاعة مثلا ، و«عمر ابن الخطاب » قدوة في العدل والإنصاف عند المسلمين ؛ و« غاندي » عند الهنود معتبر نموذجا في اللاعنف ، أما الأنبياء ، فكانوا عبرة في الإخلاص والإيمان ؛ الأمر الذي حمل بعضهم على التنويه بضرورة الاشتغال بالتاريخ والمعرفة بالحوادث والأخبار لاستكمال أمر الدين ، و كتب «ابن خميس » المؤرخ الأندلسي يقول : « إن أحسن ما يجب أن يعتنى به ويلم بجانبه بعد الكتاب والسنة ، معرفة الأخبار وتقييد المناقب والآثار»